تـربية الأبناء
*****
لماذا أصدق ابني المراهق رغم كذبه؟ ولماذا
أحتوي عيوبه دون أن أتجاهلها؟
في قلب كل أم وأب، خوف دفين:
“هل سأربيه صح؟ هل سيضيع مني؟ هل سيكذب،
ويخطئ، ويخذل ثقتي؟”
وفي سن المراهقة، تتضخم هذه المخاوف أكثر،
لأن الطفل لم يعد طفلًا ولم يصبح رجلًا بعد.
هو في منطقة رمادية، يبحث عن ذاته، ويتخبط
بين العاطفة والاندفاع، الصدق والخوف، الرغبة في الاستقلال والخوف من العقاب.
لماذا أصدق ابني رغم أنني أعلم أنه كذب؟
لأنني أفهم أن الكذب في سِنه غالبًا ليس
خيانة، بل وسيلة دفاع.
هو يكذب لأنه خائف من العقوبة، أو من ردة
فعله، أو لأنه لا يعرف كيف يقول الحقيقة دون أن يُوبخ.
أنا لا أصدق الكذبة، لكنني أختار أن أُصدق
أنه "أفضل مما فعل"، وأنه قادر على أن يتغير وإن يشعر بالأمان.
تمامًا كزهرة تميل نحو الشمس
الطفل يميل نحو من يحتويه لا من يفضحه.
حين أقول له بهدوء:
"أنا عارفة إنك مش
صادق في اللي قلته، بس أنا واثقة إنك كنت خايف، وممكن المرة الجاية نحلها سوا قبل
ما تغلط"، فأنا لا أُضعف، بل
أربي ضميرًا.
والفرق كبير بين تربية السلوك وتربية
الضمير.
لماذا أركّز على مميزاته أكثر من عيوبه؟
لأن المراهق " دون أن يشعر " يرى
نفسه من خلال عيون والديه.
إن يسمع مني : "أنت مهمل، أناني،
بتغلط دايمًا"، سيصدقها ويستسلم لها.
لكن إن سمع: أنا شايف إنك بتجتهد، حتى لو فيه تقصير، وأنا واثق إنك قادر تعمل أكتر"،
سيبدأ بالتصرف على أساس ما يظنه عن نفسه. الإنسان ينمو نحو ما نُشعره أنه عليه. تمامًا مثل النبتة: إن سقيتها كل يوم، تكبر نحو الضوء. وإن صرخت فيها، لا تتوقف عن النمو… لكنها تذبل داخليًا.
لماذا لا أقف له عند كل خطأ؟ لأن الوقوف عند كل زلّة يُفقد الكلمة قيمتها.
التربية ليست "قائمة تصحيح"
لأخطاء متكررة، بل فن التغاضي الذكي حين لا يُجدي العتاب. حين يغلط، لا أركض فورًا بالعقاب، بل أختار معركة تستحق، وسُكونًا
يعلّمه أكثر من الكلام.
و أحيانًا، النظرة بصمت،
أو كلمة: "أنا زعلانة بس فاهم"، أقوى من ألف توبيخ.
تخيل معلمة تعنف طالبًا كل مرة يُخطئ،
وتصرخ عليه أمام الكل، هل سيتعلم؟ لا، بل
سيتجنبها ويكره مادتها.
لكن معلمة تقترب منه، تقول له: أنا شايفة إنك تقدر تعمل أحسن… مش دي قدرتك"،
هي تصنع إنسانًا قبل أن تُخرّج متفوقًا.
فما بالك إن كنتِ أنتِ الأم او الأب، وهو
ابنك؟
وأخيرًا:
أبناؤنا المراهقون لا يحتاجون أن تُمسك
دفترًا لتُدوّن الأخطاء، بل قلبًا
يفهم، وعقلًا يحتضن، ويدًا تُرشد بلطف لا بقسوة. أحبوهم أكثر حين يُخطئون، فهم في تلك اللحظة أحوج ما يكونون للحب لا
للحكم.
وذكّر نفسك دومًا: "أنا أربي رجلًا صالحًا، لا ولدًا مثاليًا."
Sign up here with your email

ConversionConversion EmoticonEmoticon