تلاوة القرآن الكريم
****************
اختلف العلماءُ في المعنى اللغويّ لكلمة القرآن
: منهم مَن قال إنَّ القرآن اسمُ عَلَمٍ غيرُ مُشتقٍّ من جذرٍ لغوي وغير مهموزٍ : أيْ
(قِرَان) ، وهو بذلك اسمٌ اختصَّ الله تعالى
به الكتابَ الذي نزل على النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ كما في أسماء الكتب الأخرى
التّوراة والإنجيل والزبور وهو رأيُ الشافعيّ وغيره من العلماء ، ومنهم من قال بأنَّ
القرآنَ اسمٌ مشتقٌّ من القرائن لأنَّ الآياتِ يُصَدِّق بعضُها بعضاً ويُشابه بعضُها
بعضاً كالقرينات أي المُتشابهات، وقيل إنَّه لفظٌ مهموزٌ : أي (قرآن) وهو مشتقٌّ من
قَرَأ ومصدرٌ له وهذا ما ذهبَ إليه جمهور العلماء.
وكلمة قُرآن لم ترِدْ في الشعر الجاهلي الذي يُعدُّ
ديوانَ العرب، اما من سمَّاه قرآناُ هواللهُ سبحانه وتعَالى :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا
عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2يوسف))ً، وجاءت لفظةُ قُرآن على وزن فُعْلان
ومثلها ألفاظ كثيرة مثل : سُبحان…غُفْران…نُكْران…كُفْران….حُسْبان….وغيرها كثير.
ومصدرها البنيوي المادي قراءة، قد تكون قراءةً غيرَ واعيةٍ. وإذا وعى القارئُ القراءةَ
وامتلأ بها فهماً ووعياً نقول قرأ الكتابَ قرآناً لتصبح بُنْيَة معنوية .وصيغة فُعْلان
وفَعْلان تفيد في علم الصرف الامتلاء من الشيء، أمثله ، سَبَحَ : مصدرها سبْحاً وسِباحَةً
ألخ ، أما اذا امتلأ الانسانُ في السَّبَح وهام به و وعى عظمةَ الخالقُ ونزّهه من كلِّ
سوءٍ وذابَ في ملكوته نقول : سبحااااااااااان الله، ويخبرنا سبحانه وتعالى عن يونس
ذي النون عليه السلام تائبا الى ربِّه : (
فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ
مِنَ الظَّالِمِينَ), وغفرَ : مصدرها مغفرةً واذا امتلأ بها نقول غُفْراناً ،وعطشَ
مصدرُها عطشَاً واذا امتلأ بالعطش نقول عطشان، وهكذا
إذاً : إذا تصفَّح أحدُنا كتابَ الله دون تدبُّر
فهو قد يقرؤه كالببغاءِ دون فهمٍ ووعيٍ لما قرأه ، أمَّا إن تدبّره ووعاه وأحاط به
نقول قرأ كتابَ الله قرآناً أي بامتلاءٍ من الفهم والوعي،(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ
إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) أي : هم يقرؤونه ويحفظونه
دون وعي وفهم وتدبر ودون العمل به فهجروه من صدورهم وحفظوه في سطورهم .وذهب آخرون إلى
القول بأنَّ القرآن وصفٌ مشتقٌّ من القَرْءِ أي الجمع ومثال ذلك : قرأتُ الماء في الحوض
أي جمعته فيه، سُمِّي القرآنُ بذلك لأنَّه جمع السّورَ بعضها إلى بعضٍ.القرآنُ الكريمُ
جمع ثمراتِ وفوائدَ الكتبِ السَماويَّة التي نزلت قبله وجمع المعارفَ والعلومَ السابقةَ
واللاحقةَ إلى أن يرثَ الله الأرض ومن عليها. اتفق العلماءُ قاطبةً على أنَّ النبيَّ
صلى الله عليه وسلم حين بُعِثَ إلى الناسِ كافَّةً لم يكنْ قارئاً ولا كاتباً وذلك
لكي تقومَ عليهم الحجةُ وتنتفي الشبهةُ في ثبوتِ معجزتِه الكبرى وهي القرآنُ إذْ لو
كان قارئاً كاتباً لراجت شبهتُهم وقويَ ارتيابُهم في أنَّ ما جاءَ به كان نتيجةَ قراءة
واطلاعٍ ونظر في الكتبِ السابقة وقد أشارَ إلى هذا الحقُّ تبارك وتعالى فقال :{وَماكُنْتَ
تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ
* بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ
بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ، وقال ايضا : (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ
وَلِیَقُولُوا۟ دَرَسۡتَ وَلِنُبَیِّنَهُۥ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ). ان كتابةَ القرآنِ
برَسْمهِ الخَاصِّ بهِ هى كتابةٌ فريدةٌ تحملُ بين طيّاتِها معجزةً مُحيِّرةً لكلِّ
باحثٍ ودارسٍ وهو الكتاب الكريم الذي لاتنقضي عجائبه إلى يوم القيامة.
القرآنُ الكريمُ سمعَه أمينُ الوحيُ جبريلٌ عليه
السلام متلوَّاً من ربِّ العزة ، ثمَّ بلَّغه إلى الصادقِ الأمينً متلوَّا أيضاً ،
ثم تلاه رسولُ اللهِ مشافهةً علي أصحابه ثمَّ انتقلتْ تلاوتُه من جيلٍ الى جيلٍ وسيبقى
الى قيامِ الساعةِ يردده الأبناءُ عن الأباء عن الأجدادِ وصولاً إلى فم المصطفى من
جبريلّ عليهما السلام من وحي الله سبحانه وتعالى ، والدليلُ على ذلك أن النبيَّ عليه
الصلاة والسلامُ في الحالة العادية يتحدثُ مع أصحابِه حديثَ القومِ باللغةِ العربية
العادية أو المحكيةِ في زمانهِ كما نتحدثُ حديثَنا في زمانِنا وعندما يتلو جبريلُ تلاوةَ
ربِّ السماءِ على مسمعيهِ يتغيَّرُ حديثُ المصطفى من كلامٍ عاديٍّ إلى تلاوةٍ مجوَّدةٍ
مرتَّلةٍ محسَّنةٍ وهذا أمر من اللهِ سبحانه وتعالى له وللمؤمنين : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلًا).
Sign up here with your email
ConversionConversion EmoticonEmoticon