الفراسة والذكاء عند العرب



الفراسة والذكاء عند العرب
*****************
******


نزار بن معد” هو الجد الثامن عشر لرسول الله محمد صل الله عليه وسلم , و يرتقي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام , و ابناء “نزار” هم أربعة من الذكور , وهم مضر (الذي من نسله رسول الله) و إياد و ربيعة و أنمار , و لما حضرت أباهم “نزار” الوفاة دعاهم ليوصيهم ، فدعا اياداً وعنده جارية شمطاء (التي خالط بياض رأسها سواده) و قال : هذه الجارية الشمطاء وما أشببها لك ، ودعا أنماراً وهو في مجلس له وقال : هذه البدرة و المجلس وما اشبههما لك ، ودعا ربيعة وأعطاه حبالاً سوداً من شعر و قال : هذه وما اشبهها لك ، وأعطى مضر قبة حمراء و قال : هذه وما اشبهها لك ، ثم قال : وإن أشكل عليكم شئ فأتوا “الأفعى بن الأفعى الجرهمي” (وكان ملك نجران في ذلك الوقت) , فلما مات “نزار” ركبوا رواحلهم قاصدين “الأفعى” تنفيذا لوصية والدهم , فلما كانوا من نجران على مسافة يوم اذا هم بأثر بعير ، فقال إياد : انه أعور (يرى بعين واحده) ، وقال أنمار : وإنه لأبتر (مقطوع الذيل) ، وقال ربيعة : وإنه لأزْور (أعرج مائل الجسم) ، وقال مضر: وإنه لشارد لا يستقر (هارب هائم على وجهه) ، فلم يلبثوا حتى جاءهم راكب ، فلما وصلهم قال : هل رأيتم بعير ضال فوصفوه له كما تقدم (أعور , أبتر , أزور , شارد) فقال الراكب : إن هذه لصفته عينا ، فأين بعيري؟ قالوا : مارأيناه ، فقال : أنتم أصحاب بعيري، وما أخطئتم من نعته شيئا ، فأكملوا طريقهم ليحتكموا الى رأي الملك ، فلما أناخوا بباب الأفعى و أستأذنوه و اذن لهم صاح الرجل بالباب ، فدعا به “الأفعى” وقال له ما تقول يا هذا ؟ قال : أيها الملك ذهب هؤلاء ببعيري ، فسألهم الأفعى عن شأنه فأخبروه ، فقال لإياد : ما يدريك انه أعور؟ قال : رأيته قد لحس الكلأ من شق والشق الآخر وافر (يأكل العشب من ناحية دون الأخرى) وقال أنمار : رأيته يرمي بعرَّه مجتمعا ولو كان أهلب لمصع به فعلمت انه أبتر (يخرج الروث متجمعا و ليس متفرقا يمينا و يسارا) ، وقال ربيعة : أثرُ احدى يديه ثابت أما الآخر فاسد فعلمت أنه أزور وقال مضر : رأيته يرعى الشقة من الأرض ثم يتعداها فيمر بالكلأ الغض فلا ينهش منه شيئا فعلمت انه شرود ، فقال الأفعى : صدقتم , وليسوا بأصحابك فالتمس بعيرك يا رجل ثم سألهم الأفعى عن نسبهم فأخبروه ، فرحب بهم وحيّاهم ، ثم قصوا عليه قصة أبيهم ، فقال لهم : كيف تحتاجون إليّ وأنتم على ما أرى ؟ قالوا : أمرنا بذلك أبونا ، فأمر خادم دار ضيافته أن يحسن ضيافتهم و يكثر مثواهم ، و أمر وصيفا له ان يلتزمهم ويحفظ كلامهم فأتاهم “القهرمان” بشهد (عسل) فأكلوه ، فقالوا : ما رأينا شهدا أطيب ولا أعذب منه ، فقال إياد : صدقتم لولا ان نحله في هامة جبّار.  ثم جاءهم بشاة مشوية ، فأكلوها واستطابوها ، فقال أنمار: صدقتم لولا انها غذيت بلبن كلبه , ثم جاءهم بالشراب فاستحسنوه ، فقال ربيعة : لولا ان كرمته نبتت على قبر ، ثم قالوا : ما رأينا منزلا أكرم قِرى ولا أخصب رَحْلاً من هذا الملك فقال مضر: صدقتم لولا انه لغير أبيه ، فذهب الغلام الى “الأفعى” فأخبره بكل ما سمع مما دار بينهم ، فدخل “الأفعى” على أمه فقال: أقسمت عليك الا أن تخبرينني من أبي؟  قالت : أنت “الأفعى” ابن الملك الأكبر ، قال حقا لتصدقينني , فلما ألح عليها قالت أي بني : إن الأفعى كان شيخا قد أُثقل ، فخشيت ان يخرج هذا الأمر عن أهل هذا البيت ، وكان عندنا شاب من أبناء الملوك اشتملت عليك منه ثم بعث الى “القهرمان” فقال : أخبرني عن الشهد الذي قدمته الى هؤلاء النفر ما خطبه ؟ قال: طلبت من صاحب المزرعة أن يأتيني بأطيب عسل عنده فدار جميع المناحل فلم يجد أطيب من هذا العسل الا أن النحل وضعه في جمجمة في كهف ، فوجدته لم يُر مثله قط فقدمته لهم فقال : وما هذه الشاه ؟ فقال : إني بعثت الى الراعي بأن يأتيني باسمن شاة عنده ، فبعث بها وسألته عنها فقال: انها أول ما ولدت من غنمي فماتت أمها وأنِست بجراء الكلبة ترضع معهم فلم أجد في غنمي مثلها فبعثت بها ثم بعث الى صاحب الشراب وسأله عن شأن الخمر فقال: هي كرمة غرستها على قبر أبيك فليس في بلاد العرب مثل شرابها فعجب الأفعى من القوم , ثم أحضرهم وسألهم عن وصية أبيهم ، فقال إياد : جعل لي خادمة شمطاء وما اشبهها، فقال الأفعى: انه ترك غنما برشاء (عليها بعض بقع بيضاء تخالط لونها) فهي لك ورعاؤها من الخدم ، وقال أنمار: جعل إليّ بدرة و مجلسه وما أشبهها , فقال : لك امارتك من الرقة و الأرض ، وقال ربيعة : جعل لي حبالا سودا وما اشبهها ، فقال : ترك أبوك خيلا دهما (سوداء) وسلاحا فهي لك وما معها من موالي (فقالت العرب بعد ذلك ربيعة الفرس) وقال مضر: جعل لي قبة حمراء وما اشبهها ، قال : ان أباك ترك ابلاً حمراء فهي لك (فقالت العرب بعد ذلك مضر الحمراء) و أعطاهم ما لهم و أكرمهم , ثم رحلو عنه. 



Previous
Next Post »