*** الحقيقـة العــارية
هناك أسطورة إغريقية تقول إن الحقيقة جاءت إلي الناس عارية
فهربوا منها، فذهبت الحقيقة ووضعت بعض ثيابها فأقبلوا عليها.
أي أن الناس لا يحبون الحقيقة عارية، أي لا يحبونك أن تصارحهم
بعيوبهم, ومهما قال لك أحد: أنا رجل صريح وأحب الصراحة فلا تصدقه، فلا هو صريح, ولا
هو يحب الصراحة.
وإذا لم يكن ذلك مقنعا لك, فجرب أن تقول الحقيقة لزوجتك،
كأن تقول لها مثلا: لا داعي لارتداء هذا النوع من الملابس، فأنت كبرت الآن، سوف تندم علي ذلك ما حييت.فلو
كانت المرأة تحب الصدق, ما وضعت الأحمر والأبيض, وما ذهبت إلي الحلاق, ولا ارتدت الكعب
العالي إلي آخر ما تتجمل به المرأة ، و إلي آخر ما تخفي به حقيقة لون بشرتها واتساع
عينيها.وهكذا نجد أنفسنا أمام التناقض اللغوي: فاللغة هي الوسيلة التي نستخدمها لأن
نكشف عما نريد، وهي أيضا الوسيلة التي نخفي بها ما نريد،وفي الأدب وفي الشعر وفي الفن
رجال حاولوا أن يحجبوا ضوء الشمس, حتي يظلوا في الألوان الرمادية، وفي الظلال ، وفي
الضباب،لا لأنهم يكرهون النور، ولكن لأنهم يفضلون أن يجمعوا بين صفات الإنسان والأرواح
والأشباح, وفي ذلك حريتهم، ففي النور نري الأشياء جزءا جزءا، ولكن في الظلال يتحد الكون
كله, إنسانه وحيوانه ونباته، أرضه وسماؤه.ولا أعرف من هو الشاعر القديم الذي قال ما
معناه: إن النهار يريني صخور الأرض, والليل يريني نجوم السماء،وكان العقاد يقول: كان
من الطبيعي أن أكره الشمس التي ولدت تحتها, وأن أتجه إلي الظلال والضباب, وأن أضع علي
عيني منظارا أسود أتقي به لسعة النور وضربة الشمس، ولكني أحب النور، أحبه مفرقا في
أشعة الشمس، وأحبه مجمعا في الزهور والورود.
" أنيس منصور من كتاب لحظات مسروقة"
Sign up here with your email
ConversionConversion EmoticonEmoticon